فصل: قال الشوكاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بصيرة في الشرى:

وهو يُمَدّ ويُقصرُ. ويكون بمعنى الاشتراء، وبمعنى البيع. والشِّرَى والبيع متلازمان، فالمشترى دافع الثَمَن وآخذ المُثْمَن، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن. هذا إِذا كانت المبايعة والمشارة بناضٍّ وسِلْعة. فأَمّا إِذا كان بيع سِلْعة بسلعة صَحَّ أَن يُتصوّر كلّ منهما بائعًا ومشتريا، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشِّرَى يستعمل كلّ منهما مكان الآخر. وشَرَيت بمعنى بعت أَكثر، وابتعت بمعنى اشتريت أَكثر، قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَى باعوه. ويجوز الشِّراءُ والاشتراءُ في كلّ ما يحصّل به شىء، نحو: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى}، وقولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فقد ذكر ما اشترى به وهو قوله تعالى: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
وقيل: ورد الشراء والاشتراء في التَّنزيل على اثنى عشر وجهًا.
الأَوَّل: شِرَى الضَّلالة بالهدى: {أُولَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ}.
الثانى: شِرَى السِحْر بالإِسلام: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ}.
الثالث: بيع اليهود نعت محمّد صلَّى الله عليه وسلم بنعت الدّجّال: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلُ اللَّهُ}.
الرّابع: شِرَى كعب بن الأَشرف الدّنيا بالآخرة: {اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ}.
الخامس: بيع حُيىّ بن أَخطب التوراة بثمن بخس: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}.
السادس: بيع فنحاص بن عازوراء العهد واليمين بثمن قليل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}.
السّابع: بيع أَهل مكة إِيمانهم بالكفر: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ}.
الثامن: بيعِ الجُهّال أَحسن الحديث باللَّهْو: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}.
التَّاسع: بيع أَمير المؤمنين نفسه فداء لسيّد الكونين صلَّى الله عليه وسلم: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}.
العاشر: بيع إِخْوة يوسف أَخاهم: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}.
الحادى عشر: بيع المؤمنين أَموالهم وأَنفسهم لمولاهم وخالقهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (208):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم هذين القسمين بالساعي في رضى الله عنه مشاكلة للأولين حسن جدًا تعقيبه بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} ليكون هذا النداء واقعًا بادئ بدء في أذن هذا الواعي كما كان المنافق مصدوعًا بما سبقه من التقوى والحشر مع كونه دليلًا على صفة الرأفة، وتكرير الأمر بالإيمان بين طوائف الأعمال من أعظم دليل على حكمة الآمر به فإنه مع كونه آكد لأمره وأمكن لمجده وفخره يفهم أنه العماد في الرشاد الموجب للإسعاد يوم التناد فقال: {ادخلوا في السلم} أي الإيمان الذي هو ملزم لسهولة الانقياد إلى كل خير، وهو في الأصل بالفتح والكسر الموادعة في الظاهر بالقول والفعل أي يا من آمن بلسانه كهذا الألد ليكن الإيمان أو الاستلام بكلية الباطن والظاهر ظرفًا محيطًا بكم من جميع الجوانب فيحيط بالقلب والقالب كما أحاط باللسان ولا يكون لغرامة الجهل وجلافة الكفر إليكم سبيل {كآفة} أي وليكن جميعكم في ذلك شرعًا واحدًا كهذا الذي يشري نفسه، ولا تنقسموا فيكون بعضكم هكذا وبعضكم كذلك الألد، فإن ذلك دليل الكذب في دعوى الإيمان.
ولما كان الإباء والعناد الذي يحمل عليه الأنفة والكبر فعل الشيطان وثمرة كونه من نار قال: {ولا تتبعوا} أي تكلفوا أنفسكم من أمر الضلال ضد ما فطرها الله تعالى عليه وسهله لها من الهدى {خطوات الشيطان} أي طرق المبعد المحترق في الكبر عن الحق. قال الحرالي: ففي إفهامه أن التسليط في هذا اليوم له، وفيه إشعار وإنذار بما وقع في هذه الأمة وهو واقع وسيقع من خروجهم من السلم إلى الاحتراب بوقوع الفتنة في الألسنة والأسنة على أمر الدنيا وعودهم إلى أمور جاهليتهم، لأن الدنيا أقطاع الشيطان كما أن الآخرة خلاصة الرحمن، فكان ابتداء الفتنة منذ كسر الباب الموصد على السلم وهو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلم يزل الهرج ولا يزال إلى أن تضع الحرب أوزارها.
ثم علل ذلك سبحانه وتعالى بقوله: {إنه لكم عدو مبين} أي بما أخبرناكم به في أمر أبيكم آدم عليه الصلاة والسلام وغير ذلك مما شواهده ظاهرة، وما أحسن هذا الختم المضاد لختم التي قبلها! فإن تذكر الرأفة منه سبحانه على عظمته والعبودية منا الذي هو معنى الولاية التي روحها الانقياد لكل ما يحبه الولي وتذكر عداوة المضل أعظم منفر منه وداع إلى الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}.
استئناف على طريقة الاعتراض انتهازًا للفرصة بالدعوة إلى الدخول في السلم، ومناسبة ذكره عقب ما قبله أن الآيات السابقة اشتملت على تقسيم الناس تجاه الدين مراتب، أعلاها {من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207] لأن النفس أغلى ما يبذل، وأقلها {من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام} [البقرة: 204] أي يضمر الكيد ويفسد على الناس ما فيه نفع الجميع وهو خيرات الأرض، وذلك يشتمل على أنه اعتدى على قوم مسالمين فناسب بعد ذلك أن يدعى الناس إلى الدخول فيما يطلق عليه اسم السلم وهذه المناسبة تقوى وتضعف بحسب تعدد الاحتمالات في معنى طلب الدخول في السلم.
ثم قال العلامة ابن عاشور:
الذي يبدو لي أن تكون مناسبة ذكر هذه الآية عقب ما تقدم هي أن قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} [البقرة: 190] الآيات تهيئة لقتال المشركين لصدهم المسلمين عن البيت وإرجافهم بأنهم أجمعوا أمرهم على قتالهم، والإرجاف بقتل عثمان بن عفان بمكة حين أرسله رسول الله إلى قريش، فذكر ذلك واستطرد بعده ببيان أحكام الحج والعمرة فلما قضى حق ذلك كله وألحق به ما أمر الله بوضعه في موضعه بين في تلك الآيات، استؤنف هنا أمرهم بالرضا بالسلم والصلح الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة عام الحديبية، لأن كثيرًا من المسلمين كانوا آسفين من وقوعه ومنهم عمر بن الخطاب فقد قال: ألسْنَا على الحق وعدُوُّنا على الباطل فكيف نعطي الدَّنية في ديننا رواه أهل الصحيح فتكون مدة ما بين نزول المسلمين بالحديبية وتردد الرسل بينهم وبين قريش وما بين وقوع الصلح هي مدة نزول الآيات من قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} [البقرة: 190] إلى هنا. اهـ.

.قال الشوكاني:

وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم وكتابهم والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه. اهـ.

.قال الفخر:

في الآية إشكال، وهو أن كثيرًا من المفسرين حملوا السلم على الإسلام، فيصير تقدير الآية: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في الإسلام، والإيمان هو الإسلام، ومعلوم أن ذلك غير جائز، ولأجل هذا السؤال ذكر المفسرون وجوهًا في تأويل هذه الآية:
أحدها: أن المراد بالآية المنافقون، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، أي آثار تزيينه وغروره في الإقامة على النفاق، ومن قال بهذا التأويل احتج على صحته بأن هذه الآية إنما وردت عقيب ما مضى من ذكر المنافقين وهو قوله: {وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: 204] الآية فلما وصف المنافق بما ذكر دعا في هذه الآية إلى الإيمان بالقلب وترك النفاق.
وثانيها: أن هذه الآية نزلت في طائفة من مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه وذلك لأنهم حين آمنوا بالنبي عليه السلام أقاموا بعده على تعظيم شرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لحوم الإبل وألبانها، وكانوا يقولون: ترك هذه الأشياء مباح في الإسلام، وواجب في التوراة، فنحن نتركها احتياطًا فكره الله تعالى ذلك منهم وأمرهم أن يدخلوا في السلم كافة، أي في شرائع الإسلام كافة، ولا يتمسكوا بشيء من أحكام التوراة اعتقادًا له وعملًا به، لأنها صارت منسوخة {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} في التمسك بأحكام التوراة بعد أن عرفتم أنها صارت منسوخة، والقائلون بهذا القول جعلوا قوله: {كَافَّةً} من وصف السلم، كأنه قيل: ادخلوا في جميع شرائع الإسلام اعتقادًا وعملًا.
وثالثها: أن يكون هذا الخطاب واقعًا على أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبي عليه السلام فقوله: {يا أيها الذين آمنوا} أي بالكتاب المتقدم {ادخلوا فِي السلم كَافَّةً} أي أكملوا طاعتكم في الإيمان وذلك أن تؤمنوا بجميع أنبيائه وكتبه فادخلوا بإيمانكم بمحمد عليه السلام وبكتابه في السلم على التمام، ولا تتبعوا خطوات الشيطان في تحسينه عند الاقتصار على دين التوراة بسبب أنه دين اتفقوا كلهم على أنه حق بسبب أنه جاء في التوراة: تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض، وبالجملة فالمراد من خطوات الشيطان الشبهات التي يتمسكون بها في بقاء تلك الشريعة.
ورابعها: هذا الخطاب واقع على المسلمين {يا أيها الذين آمنوا} بالألسنة {ادخلوا فِي السلم كَافَّةً} أي دوموا على الإسلام فيما تستأنفونه من العمر ولا تخرجوا عنه ولا عن شيء من شرائعه {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} أي ولا تلتفتوا إلى الشبهات التي تلقيها إليكم أصحاب الضلالة والغواية ومن قال بهذا التأويل قال: هذا الوجه متأكد بما قبل هذه الآية وبما بعدها، أما ما قبل هذه الآية فهو ما ذكر الله تعالى في صفة ذلك المنافق في قوله: {سعى في الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا} وما ذكرنا هناك أن المراد منه إلقاء الشبهات إلى المسلمين، فكأنه تعالى قال: دوموا على إسلامكم ولا تتبعوا تلك الشبهات التي يذكرها المنافقون، وأما ما بعد هذه الآية فهو قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام} [البقرة: 210] يعني هؤلاء الكفار معاندون مصرون على الكفر قد أزيحت عللهم وهم لا يوقفون قولهم بهذا الدين الحق إلا على أمور باطلة مثل أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة.
فإن قيل: الموقوف بالشيء يقال له: دم عليه، ولكن لا يقال له: ادخل فيه والمذكور في الآية هو قوله: {أَدْخِلُواْ}.
قلنا إن الكائن في الدار إذا علم أن له في المستقبل خروجًا عنها فغير ممتنع أن يؤمر بدخولها في المستقبل حالًا بعد حال، وإن كان كائنًا فيها في الحال، لأن حال كونه فيها غير الحالة التي أمر أن يدخلها، فإذا كان في الوقت الثاني قد يخرج عنها صح أن يؤمر بدخولها، ومعلوم أن المؤمنين قد يخرجون عن خصال الإيمان بالنوم والسهو وغيرهما من الأحوال فلا يمتنع أن يأمرهم الله تعالى بالدخول في المستقبل في الإسلام وخامسها: أن يكون السلم المذكور في الآية معناه الصلح وترك المحاربة والمنازعة، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة أي كونوا موافقين ومجتمعين في نصرة الدين واحتمال البلوى فيه، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس، وهو كقوله: {وَلاَ تنازعوا فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] وقال تعالى: {الحساب يَأَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا} [آل عمران: 200] وقال: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103] وقال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه» وهذه الوجوه في التأويل ذكرها جمهور المفسرين وعندي فيه وجوه أخر أحدها: أن قوله: {يا أيها الذين آمنوا} إشارة إلى المعرفة والتصديق بالقلب وقوله: {ادخلوا فِي السلم كَافَّةً} إشارة إلى ترك الذنوب والمعاصي، وذلك لأن المعصية مخالفة لله ولرسوله، فيصح أن يسمي تركها بالسلم، أو يكون المراد منه: كونوا منقادين لله في الإتيان بالطاعات، وترك المحظورات، وذلك لأن مذهبنا أن الإيمان باق مع الاشتغال بالمعاصي وهذا تأويل ظاهر وثانيها: أن يكون المراد من السلم كون العبد راضيًا ولم يضطرب قلبه على ما روي في الحديث: «الرضا بالقضاء باب الله الأعظم» وثالثها: أن يكون المراد ترك الانتقام كما في قوله: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72] وفي قوله: {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين} [الأعراف: 199] فهذا هو كلام في وجوه تأويلات هذه الآية. اهـ.
وقيل يحتمل أن يرجع إلى الإسلام والمعنى ادخلوا في أحكام الإسلام وشرائعه كافة وهذا المعنى أليق بظاهر التفسير لأنهم أمروا بالقيام بها كلها.
وقال حُذَيفة بن اليَمان في هذه الآية: الإسلام ثمانية أسهم؛ الصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، والحج سهم، والعُمرة سهم، والجهاد سهم؛ والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم؛ وقد خاب من لا سهم له في الإسلام. اهـ.
وقال ابن عباس: نزلت الآية في أهل الكتاب، والمعنى؛ يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم كافة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نَفْسُ محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأُمة يهوديّ ولا نصرانيّ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار». وكَافَّةً معناه جميعًا، فهو نصب على الحال من السِّلم أو من ضمير المؤمنين؛ وهو مشتق من قولهم: كففت أي منعت، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام. اهـ.
وقال الفخر:
قال القفال: {كَافَّةً} يصح أن يرجع إلى المأمورين بالدخول أي ادخلوا بأجمعكم في السلم. ولا تفرقوا ولا تختلفوا، قال قطرب: تقول العرب: رأيت القوم كافة وكافين ورأيت النسوة كافات ويصلح أن يرجع إلى الإسلام أي ادخلوا في الإسلام كله أي في كل شرائعه قال الواحدي رحمه الله: هذا أليق بظاهر التفسير لأنهم أمروا بالقيام بها كلها، ومعنى الكافة في اللغة الحاجزة المانعة يقال: كففت فلانًا عن السوء أي منعته، ويقال: كف القميص لأنه منع الثواب عن الانتشار، وقيل لطرف اليد: كف لأنه يكف بها عن سائر البدن، ورجل مكفوف أي كف بصره من أن يبصر، فالكافة معناها المانعة، ثم صارت اسمًا للجملة الجامعة وذلك لأن الاجتماع يمنع من التفرق والشذوذ، فقوله: {ادخلوا فِي السلم كَافَّةً} أي ادخلوا في شرائع الإسلام إلى حيث ينتهي شرائع الإسلام فتكفوا من أن تتركوا شيئًا من شرائعه، أو يكون المعنى ادخلوا كلكم حتى تمنعوا واحدًا من أن لا يدخل فيه.
أما قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} فالمعنى: ولا تطيعوه ومعروف في الكلام أن يقال فيمن اتبع سنة إنسان اقتفى أثره، ولا فرق بين ذلك وبين قوله: اتبعت خطواته. اهـ.